المدن المستدامة بين متغيرات تكنولوجية في رسم السياسات واتخاذ القرار

بواسطة: شبكة المؤتمر


banner

المدن المستدامة بين متغيرات تكنولوجية في رسم السياسات واتخاذ القرار


بقلم: الدكتور عذاب العزيز الهاشمي       

الخبير الدولي في نظم المعلومات وتكنولوجيا المدن والطاقة النظيفة


مقدمة
ان المدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكِرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وجعل العمليات والخدمات الحضرية أكثر كفاءة، وتعزيز قدرتها التنافسية، مع ضمان تلبيتها لاحتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والثقافية.
بالاضافة أن المدن التي يتم توصيل جميع النظم والخدمات الحضرية فيها غير موجودة حتى الآن، فإن العديد من المدن في طريقها إلى أن تصبح مدناً مستدامة وذكية. وهي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، على سبيل المثال، لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة المخلفات، وتحسين الإسكان والرعاية الصحية، وتحسين تدفق حركة المرور والسلامة، والكشف عن جودة الهواء، وتنبيه الشرطة إلى الجرائم التي تحدث في الشوارع وتحسين شبكات المياه والصرف الصحي وغيرها.

المدن المستدامة والسياسات 
وإذا ما نظرنا إلى مشهد العالم ما بعد الجائحة، حيث عانت الغالبية الساحقة من الدول تراجعًا في إجمالي ناتجها المحلي عام 2020 ولم تبدأ بالتعافي سوى مؤخّرًا، تطرأ أسئلة كثيرة حول شكل المرحلة الجديدة من التعافي الاقتصادي والحياة السياسية والتفاعلات الاجتماعية.
  تبدو الآفاق جيّدة إجمالًا. فبحسب تقرير أعدّه صندوق النقد الدولي في شهر أكتوبر 2021، وصل النمو الاقتصادي العالمي إلى 5,9 في المئة بحلول نهاية عام 2021، فيما النمو الحالي لعام 2022 سجّل 4,9 في المئة. يكمن العائق في أنّ هذا التعافي الاقتصادي يأتي في سياق جوّ يسوده الإبهام المتزايد وصعوبة التضحية بأشياء لصالح أشياء أهمّ عند اختيار السياسات الواجب تطبيقها, على هذه الخلفيّة، يتساءل المرء حول دور القادة في رسم معالم المستقبل وحول رؤيتهم القيادية لمجتمعاتهم.
            من الأمثلة الملفتة جدًا على ذلك دول الشرق الأوسط، وتحديدًا دول الخليج العربي، والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان, فهي تُشكّل جزءًا من الدول المصدّرة للنفط، وبالتالي تؤثّر إلى حد كبير على الاقتصاد العالمي, كما أنّ العديد منها سبق أن أطلق مشاريع للتنويع الاقتصادي قبل الجائحة، وأعدّ قادتها رؤيتهم حول مستقبل بلادهم.
إنّ الرؤية المستقبلية المرسومة للمجتمع تُشكّل عنصرًا أساسيًّا من عناصر دور القادة تجاه المواطنين, يُمكن تعميم هذه الرؤية بطريقة رسمية على المجتمع من خلال مشاريع ومحاور مدرجة في إطار خطة استراتيجية، كما فعلت المملكة في “رؤية السعودية 2030”
            اختار قادة البلاد خطة نمو على صعيد المملكة برمّتها “رافقها التطوير المنتظم للبنى التحتية”. لكنّهم في الوقت نفسه يهدفون إلى تطوير جودة حياة الجميع وتلبية احتياجات المواطنين ومستلزماتهم , لهذا الغرض، يريدون تطوير “خدمات عالية الجودة ومساحات مفتوحة وحدائق، من أجل تلبية الاحتياجات الترفيهية للأفراد والعائلات”. يُشكّل التوفيق ما بين النمو الاقتصادي من جهة وسلامة المواطنين والحفاظ على البيئة من جهة أخرى تحديًّا للقادة نظرًا إلى التوتّر وتضارب المصالح بين هذه العوامل الثلاثة, بهدف التحقيق التوازن بينها وبين نموذج الاستدامة، يجب على القادة أن يعتمدوا على تسهيل دور التكنولوجيا وعلى إشراك المواطنين بطريقة فاعلية بالخطوات المتّخذة.         
           قال الفيلسوف بيونغ شول-هان من كوريا الجنوبية إنّ “جائحة كوفيد-19 قد حوّلتنا إلى مجتمع هدفه الصمود، خسر معنى الاستمتاع بالحياة”، حيث “نضحّي بالسعادة من أجل الصحّة”. في كتابه الأخير، الذي حمل ، يقول شول-هان إنّ “النظام الأرضي يتنحّى أمام النظام الرقمي، فيحلّ عالم اللا-أشياء محال عالم الأشياء”, وبوجه تطوير المدن الذكية، لا بدّ من شقّ الطريق أمام “المواطن الذكي” كنموذج بديل أو معاصر، ممّا يعني أنّه لا يجوز، ولا في أي حال من الأحوال إعطاء الأولوية للتكنولوجيا على حساب الإنسان – إذ أنّ مجرّد وجودها يحب أن يكون فقط من أجل تحسين حياة الإنسان، وليس لتُشكّل تحديًّا أو ضررًا.
سبق أن بدأ دمج التكنولوجيا التي تساند المدن الذكية، وقطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبنى التحتية للاتصالات، وتحديدًا النطاق التردّدي عالي السرعة وأنظمة إنترنت)البلوك تشين، والذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، في واقع المدن. لكن يبقى علينا تحديد ردود فعل المواطنين تجاه انتشار هذه التكنولوجيا. ففي السياق الجديد ما بعد الجائحة، هل سيتمّ تعزيز الخدمات الرقمية الجديدة أكثر فأكثر لتسدّ الفجوة التي تركها التباعد الجسدي والاجتماعي؟ أمّ أنّ المواطنين، بالعكس تمامًا، سيفضّلون التواصل الجسدي في المساحات المفتوحة والمنسّقة، أي بعبارات أخرى في بيئة طبيعية لا تطغى عليها التكنولوجيا؟
         واخيرا 
            يجب أن تُتَرجَم هذه الرؤية الشاملة للقادة في استخدام التكنولوجيا كوسيلة تُسهّل أهداف التنمية المستدامة وتدمجها في المدينة، ممّا يساعد على تطوير اقتصاد بديل وتنويع المخاطر المترتّبة على تقلّب أسعار النفاط. يضمن ذلك أيضًا استدامة تمويل النموذج وخطّة تطبيقه. لكن لتحقيق هذه الغاية، لا بدّ من الاعتماد على إشراك المواطنين بطريقة فاعلة، إذ أنّهم يؤثّرون على نتيجة هذه السياسات من خلال أنماط الاستهلاك ومشاركتهم في أوجه الابتكار ونماذج الأعمال الجديدة (مثلًا من خلال “الابتكار المفتوح”) التي تُشكّل ركيزة هذه المدن الذكية الجديدة, من ناحية أخرى، إذا أرادت الدول تحقيق النمو الاقتصادي السريع، فعليها الترويج لقادة جدد في مجال الأعمال والمجتمع لاحتضان نسبة أكبر من الاقتصاد الخاص مقارنة بالوزن الحالي للاقتصاد الرسمي (الذي يستأثر حاليًا بحوالي 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي). لذا فإنّ دور القادة الراهن في البحث عن قادة جدد من بين السكان وتحديدهم وتطويرهم يبدو بنظرنا أولى الأولويات وضرورة موضوعية..
 

#شبكة_المؤتمر