تعزيز التعاون الإقليمي والدولي العدلي، الركيزة الأساسية لتنفيذ النموذج التنموي المعاصر

بواسطة: شبكة المؤتمر


banner

تعزيز التعاون الإقليمي والدولي العدلي

          الركيزة الأساسية لتنفيذ النموذج التنموي المعاصر

د. أسامة عمار كشادة

باحث ومختص في إدارة شؤون التنمية المستدامة - الهيئة الليبية للبحث العلمي - ليبيا

أضحى من المسلم به أن حلقة التعاون الإقليمي أو الدولي ضرورة لا مناص منها، فأصبحت بمنظور البقاء وليس الرفاهية؛ وذلك لكسر الجمود والتقوقع الحادث في شتى المؤسسات نتيجة الظروف المعاشة، أو نتيجة افتقار المعرفة الكافية للولج إلى هذه الحلقة، كذلك الوضع السياسي الهش أيضًا له أثر سلبي يضعف من مكانة الدولة بأجهزتها المختلفة على نطاق التعاون بشكل عام؛ ولضمان الوصول إلى مخرجات جيدة في هذا المسار باعتباره مسار للتنظيم الدولي المعاصر، لابد من إضفاء الأسلوب العلمي لحلقات التعاون الإقليمي أو الدولي، بحيث يكون لهذا التعاون قيمة وعائد على المصالح الوطنية للدولة، في ظل توازن بين المنفعة المرتقبة والأعباء المتوقعة.

ويعد التعاون العدلي بشقيه الإقليمي والدولي من أبرز مسارات التعاون وأكثرها أهمية لتقوية أواصر أركان العدالة محلياً أو العابرة للحدود الوطنية، ويساهم الانخراط في دائرة التعاون المشترك بشكل كبير في نقل المعرفة القائمة على أسس التناظر.

ففي 25 سبتمبر 2015 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة "خطة التنمية المستدامة لعام 2030"، وليبيا من بين الدول المعتمدة لتنفيذ هذه الخطة، التي تعد أكبر خطة عمل شمولية تستهدف كل البشر والأرض لتحقيق الرخاء والسلام، تنفذها جميع البلدان بشكل تطوعي، وبشراكة تعاونية، ودخلت هذه الخطة حيز التنفيذ في الأول من يناير 2016.

 تستند هذه الخطة إلى مجموعة من الأهداف المتكاملة وغير القابلة للتجزئة والتي توازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، والأهداف الإنمائية للألفية التي هدفت في وقتها لإنهاء كافة أشكال الفقر، والعوز، المالي، وتميزت الخطة الجديدة بتفردها بدعوة جميع دول العالم الغنية منها، والفقيرة، ومتوسطة الدخل إلى العمل سوياً عبر قناة التعاون المشترك المحلية والإقليمية والدولية؛ لتعزيز الرفاهية من خلال حماية البشرية كافة، وإنهاء الفقر عبر تبني استراتيجيات للتعاون المشترك حول العديد من القضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتنوعة من خلال منظومة عمل موحدة وبمسؤولية شمولية متناسقة كل وفق اختصاصه.

ولقد أصبح التعاون المتخصص بمفرده عاجزاً علمياً عن أداء مهامه وأهدافه المنشئ من أجلها في بعض  الحالات، لكن التعاون في إطار التنمية المستدامة يكسر الجمود، ويرفع اللوم عن حساسيات بعض الدول من بعض المواضيع الفنية في محور التعاون الثنائي المشترك، وإنه من المسلم به أن العدل أساس التنمية الشاملة وأهم ركائزها لكون الجانب العدلي يمثل أهمية كبيرة للمساهمة في تنفيذ هذه الخطة الشمولية، حيث ينص الهدف السادس عشر للتنمية المستدامة على: "التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يُهمّش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات"، بالإضافة لوجود مجموعة الغايات المنبثقة عن الهدف السادس عشر والتي تمثل الجزء العدلي بشكل مباشر وهي:

• تعزيز سيادة القانون على المستويين الوطني والدولي، وضمان المساواة في وصول الجميع إلى العدالة.

• بحلول العام 2030، الحد بقدر كبير من التدفقات غير المشروعة للأموال، والأسلحة، وتعزيز استرداد الأصول المسروقة وإعادتها، ومكافحة جميع أشكال الجريمة المنظمة.

• إنشاء مؤسسات فعالة وشفافة، خاضعة للمساءلة على جميع المستويات.

• الحد بدرجة كبيرة من الفساد والرشوة بجميع أشكالهما.

• توسيع مشاركة البلدان النامية في مؤسسات الحوكمة العالمية وتعزيزها.

• تعزيز المؤسسات الوطنية ذات الصلة بجملة أمور منها التعاون الدولي؛ من أجل بناء القدرات على جميع المستويات، ولا سيما في البلدان النامية، لمنع العنف ومكافحة الإرهاب والجريمة.

كما تتقاطع بقية الأهداف والغايات لتكوين خارطة تكاملية متناسقة في بعض الجزئيات المتعلقة بالجانب العدلي كالتدفقات المالية غير المشروعة، وغسيل الأموال، وغيرها من أشكال الفساد؛ لأنها تضعف من عملية التنمية، وبالتالي فإن استرداد الأصول بتنوعها يكون قادرًا على تعزيز التنمية.

ومن ناحية مستندة على بحوث ودراسات علمية  تعد تجربة المملكة المغربية في هذا الشأن - موضوعياً - من أكثر التجارب فعالية على المستوى الإقليمي؛ لوجود تنسيق وترابط في تنفيذ هذه الخطة على كافة المستويات ذات العلاقة، ولذا فالاستفادة من هذه التجربة يؤسس لمخرجات واضحة المعالم والرؤى باعتبار أن الممارسة العملية أكثر صعوبةً من جانب التنظير، بالإضافة إلى تجربة بعض الدول العربية في هيكليتها العدلية المؤسسة  لهيئات قضائية اختصاصية معنية  بالتعاون الدولي؛ لأنه مع بداية العام 2016 حدث تغيير على العالم مع ظهور أهداف التنمية المستدامة، فأصبح تبنيها وملائمتها على المستوى الوطني لكافة دول العالم شبه ملزمًا من ناحية أنه لا أحد يخالف الركب، وخير دليل على ذلك أن كل المنظمات الدولية والإقليمية المتنوعة، ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، أصبحت تعمل من خلال محددات ونطاقات التنمية المستدامة؛ الأمر الذي يستوجب الوقوف عليه وتدارسه بكل موضوعية كل حسب اختصاصه.

ويعد الفساد بكافة أشكاله أهم عامل يعيق نطاق عملية التنمية المستدامة، وبالتالي فإن المسؤولية مشتركة للجهات ذات العلاقة ليتوفر المناخ التنموي الملائم لازدهار الوطن، وسيتأتى ذلك من خلال التعاون الإقليمي والدولي بمختلف تنوعاته وأشكاله، ومعرفة ممارسات الجهات المناظرة والمنظمات الإقليمية أو الدولية ذات الاختصاص للمساهمة في بناء القدرات؛ للوصول إلى تراكم معرفي، قائم على واقع ومفاهيم تتولد من أفضل الممارسات بعيدًا عن تعقيدات الفكر الإداري التقليدي المعيق للإصلاحات.

نستنتج من هذه المقالة أنه لمواكبة التطور والتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي على مستوى العالم، يجب وضع أليات وخطط عمل وطنية للتعاون القضائي الإقليمي والدولي؛ لتعزيز نموذج التنمية المعاصر؛ بما يضمن سرعة العمل بهذه الخطة الموحدة على المستوى العالمي، لنكون طرفًا أساسيًا وفاعلًا فيه.

شكر خاص من #شبكة_المؤتمر للدكتور أسامة عمار كشادة على نشرة هذه المقالة عبر الشبكة

Related Articles